لم يعد مفهوم التربية منصباً على تلبية الحاجات المادية للأولاد من ملبس ومأكل ومسكن كما كان الحال يوما. بل مع تطور العلم الذي دفع بمجتمعاتنا إلى عهد الانفتاح الثقافي ,
ورفع من مستوى الوعي لدى كافة شرائح المجتمع، انعكس ذلك على رؤيتنا لمفاهيم التربية السليمة لأولادنا، مما جعل من تربية الأولاد وتنشئتهم في بيئة صحية جسدياً ونفسياً جلَّ اهتمام الوالدين، فنجد كل أب وأم حريصين على تتبع خير الوسائل التي تتيح نموا جسدياً وعقلياً وعاطفياً سليماً ومثالياً لأولادهم.
اختلاف النظرة
لعل من أحد أهم مفاهيم التربية الحديثة التي برزت وتطورت بشكل ملحوظ مؤخراً هي اللعب ودوره في تطور الطفل ونموه السليم وتكوين شخصيته المتميزة. اعتدنا قديماً أن نقل من أهمية العب التربوية إذ لطالما اعتبر العب مضيعة للوقت وتبديداً للجهد الذي من الخير أن يبذله أبناءنا في التعلم والدراسة. لذلك نجد أن التربية القديمة كانت تنهى عن العب وتحاول جاهدة إبعاد التلاميذ عنه. أما في عهدنا الحالي، عهد التربية الحديثة، فقد اعتمد العب بشكل أساسي في مختلف المناهج التربوية كأهم الوسائل التعليمية في جميع مراحل التعليم. وقد أثبت هذه الوسيلة جدارتها من خلال المساعدة في فهم وترسيخ المفاهيم التعليمية في أذهان التلاميذ.
أهميته للطفل
إذن فاللعب أكثر من مجرد ترويح وترفيه بل هو بلا شك عملية مهمة في سبيل النمو. اللعب وسيلة يعبر من خلالها الطفل عن ذاته ويطوّر فيها مهاراته ويكتشف معها الجديد من حوله وهو كنشاط حر يكسب الطفل المهارات الحركية المتعددة ويظهر مواهبه وقدراته الكامنة. كما أن الطفل يتعلم من خلاله النظام حيث أن اللعب له قواعد وأصول، وهو أيضاً وسيلة للنمو الاجتماعي، إذ أنه يعلّم الطفل التعاون والمشاركة وتكوين العلاقات الاجتماعية مع العالم الخارجي سواء في إطار محيط الأسرة أو خارجها. كما أن في العب فرصة للتخلص من القلق والتوتر وبعض المتاعب.
دور الاهل
من الضروري للأبوين محاولة مداعبة الطفل واللعب معه كلما أتيحت لهما الفرصة لما لذلك من أهمية بالغة في توطيد العلاقة بين الطفل وأبويه والتي بدورها تساهم في تطوره الجسماني والاجتماعي ومنحه الأمان والثقة، وكذلك إثراء المقدرة اللغوية لديه، كما يؤدي اللعب مع الوالدين إلى توفير جو من السعادة والراحة والمرح في البيت. لذلك علينا إيجاد وقت للعب مع أطفالنا بكل طريقة ممكنة سواء بتجسيد العب في الفناء أو بعض الحركات أو حتى عن طريق ألعاب القماش. تكمن فائدة العب في طبيعة الوقت الذي يقضيه الأبوين مع طفلهما وليس في المدة الطويلة التي يمر خلالها اللعب، فلا بد من مشاركة الطفل في العب بحماس وحيوية حتى لو لفترة زمنية قصيرة عوضاً عن قضاء وقتاً أطول في العب الذي لا يكون فيه ذهن الوالدين صافياً أو يكونا منشغلين بواجبات أخرى.
الام مدرسة
تعد تجربة اللعب مع الأم أفضل تجربة بالنسبة للطفل خلال فترة تطوره ونموه التدريجي فنجد عند الأطفال ميلاً للتواجد في الأماكن التي تكون فيها الأم ويحبون مشاركتها في كل ما تقوم فيه. بذلك يمكن للأم تعويد الطفل على مساعدتها في تنظيف وترتيب المنزل ومحاولة جعله قريباً منها فذلك يسعده ويكسبه الثقة بنفسه والاعتداد بقدراته كما يصقل مواهبه ويساهم في نموه بشكل صحيح وسليم.
أحسنوا الاختيار
بما أن العلاقة بين الطفل واللعب علاقة وثيقة جداً، فاللعب هو حب الطفل وملاذه وعالمه وحياته، حري بالوالدين استغلال هذه العلاقة في تنمية قدرات الطفل وتنمية الذكاء والتفكير الابتكاري لديه منذ سنواته الأولى إذ ينبغي أن يحسنوا اختيار اللعبة التي تناسب كل سن حتى تحقق الهدف التربوي منها وترك الأثر النافع. نعلم أن لكل طفل بنية جسمية وقدرات عقلية ومهارات حركية تختلف عن غيره من الأطفال سواء من كانوا بعمره أو أكبر منه سناً. لكل بنية طفل وشخصيته المنفردة ما يناسبها من الألعاب، لذلك على الآباء التدقيق في اختيار العبة لأطفالهم. من حيث المبدأ كلما أثارت العلبة خيال الطفل زاد تفاعله وسعادته معها. يحتار الوالدان بشكل عام عند اختيار الألعاب المناسبة لأطفالهما حيث جميعنا نرغب أن نختار اللعبة المسلية والمفيدة لأطفالنا في الوقت عينه. إليكم بعض الإرشادات التي قد تساعدكم في ذلك: في سنوات طفلكم الأولى يستحسن مشاركة الطفل الألعاب القابلة للتركيب بشرط أن يكون حجم الأجزاء كبير حتى لا يستطيع الطفل ابتلاعها أو وضعها في أنفه أو أذنيه أو أن يكون سطحها غير جارح كي تتوفر فيها كل سبل الأمان والسلامة للطفل فمثل هذه الألعاب تعمل على تنمية خبرات البناء و الترتيب الموجودة لدى الطفل وتشجعه على الإبداع والابتكار . إذا كان طفلكما يشعر بالتوتر والقلق فيمكنكما توجيهه نحو لعبة معلقة تشبه البالون مصنوعة من المطاط بحيث يبدأ في ضربها عدة مرات حتى يخف توتره، أما الطفل الذي يعاني من الملل فتعتبر الدمية المتحركة أفضل لعبة له كي يٍستعيد نشاطه و حيويته. حاذروا من جعل العب وسيلة لتعزيز الإحساس بالفردية والأنانية لدى طفلكما بل اغرسا في نفسيته وروحه حب المشاركة والاجتماعية.
وفي النهاية
إذن فاللعب هو أحد أقوى الدعامات للصحة النفسية والتعلم والإنتاجية. بل إن العلاج بالعب هو أحد الطرق الحديثة والتي تسهم في علاج بعض الحالات النفسية التي يعاني منها الأطفال. هذا فضلا عن كون اللعب وسيلة من وسائل فهم شخصية الطفل، فعندما نراقب أطفالنا وهم يلعبون نستطيع الحصول على معلومات عن طريقة تفكيرهم وعن مشاعرهم ودوافعهم وسلوكياتهم وهمومهم أكثر مما نحصل عليه منهم عند الحديث معهم. لهذا كله ينبغي على الأبوين والقائمين على رعاية الطفل تأمين احتياجات الطفل الجسدية والتربوية والنفسية، والحرص على السماح لهم بالعب بحرية ومشاركتهم ألعابهم والعب معهم من أجل تحقيق التوازن الجسدي والنفسي المطلوب، كما ونؤكد على حق الطفل في اللعب مع والديه مهما بلغت درجة انشغالهما.